الشيخ أحمد ياسين في الذكرى السابعة لاستشهاده .. رجل بأمة
بقلم: د. أحمد بحر ما أروع المسار.. وما أروع العطاء..وما أروع الجهاد..وما أروع الشهادة.
تمر السنون على عجل، لكن ذكرى استشهاد إمام الجيل تبقى محفورة في عمق الذاكرة والوجدان، لتعيد رسم معالم الطريق الذي اختطه الشيخ القعيد سبيلا مستقيماً عاصماً من عوج الفكر وانحرافات السياسة التي طغت على أداء الكثيرين الذين تلوثوا بأدران المرحلة، وتكيفوا مع الواقع الذي فُصّل لهم على المقاسات الخارجية.
تحل الذكرى السابعة العطرة ليملأ عبقها الزكي القلوب والعقول، وتضيء لنا جنبات المسار والمسير، وتلهمنا العبرة والعظة في خضم بحر التحديات العظام الذي تتلاطم أمواجه العاتية من كل الاتجاهات.
إنها ذكرى ليست كأي ذكرى.. إنها ذكرى استشهاد الرجل الأمة، إمام الجيل وشيخ الانتفاضتين، الإمام الرباني القائد المؤسس الشهيد أحمد ياسين رحمه الله.. ذلك الرجل القعيد الذي أحيا شعباً وأمة بلسانه الرصين وصوته الخافت وهمته العالية وعزمه المتوقد ونشاطه الملتهب الذي لم يعرف يوماً الخور أو التكاسل أو التقصير.
لقد أسس الإمام الياسين جيلا بأكمله رباه على معاني وقيم الوفاء والتضحية والعطاء وحب الوطن والإيثار، فخرجت الثمار يانعة قطافها لتعبر عن شموخ البناء وروعة الغراس، وعمق التجربة التي ملأت سمع العالم وبصره في بضع سنين.
أيام وذكريات تتقاذف الذاكرة وتحملها إلى الأيام الخوالي التي بدأ فيها الشيخ مسيره المبارك، وحلقاته المسجدية المتواضعة التي نمت وترعرعت وانتشرت في أرجاء الديار حتى غدت شجرة باسقة أضحت ملء الدنيا بأسرها، وتركت آثارا رائعة وبصمات مشرقة وجدت تجسيداتها في جيل القرآن والجهاد والعقيدة الذي يحمل أمانة الدفاع عن ثوابت وحقوق شعبنا في فلسطين، ولا يزال يرفع لواء الصمود والتصدي للمخططات الصهيونية على أرضنا المباركة.
الشيخ ياسين يشكل نموذجا رائدا في فضاء فلسطين والأمة، ومدرسة متكاملة الصفات والأبعاد أسهمت في بناء جيل رباني عقدي وإحداث تغييرات كبرى في معادلات الوضع الفلسطيني والعربي والإسلامي، فلا عجب أن يغتاظ منه الصهاينة وأرباب النفاق العربي، وأن يسعوا لشطبه عن مسرح الحياة وخارطة الوجود بقرار صهيوأمريكي.
تميز الإمام الياسين بالريادة في كل شيء، وكان له في كل ميدان نصيب وافر وحظ عظيم، ففي ميدان السياسة كان مثالاً للسياسي المحنك الذي لم يتلوث بأدران السياسة، ولا تزال مبادرته التي أطلقها بصدد إقامة دولة فلسطينية في حدود العام 67 دون الاعتراف بالكيان الصهيوني تشكل منارة لكل العاملين في الحقل السياسي الفلسطيني، وفي ميدان الجهاد كان عنواناً أصيلاً للمجاهد المقاوم الذي وضع روحه على كفه رغم إعاقته الجسدية، وفي ميدان التواصل مع الناس كان مؤلف القلوب وحبيب الجماهير، وفي ميدان العمل والعطاء والدعوة كان ذروة البذل وشعلة لا تنطفئ، بحيث كان استشهاده –رحمه الله- حياة للأمة بأسرها.
اعتقد الصهاينة ومن لف لفهم –خاطئين- أن تغييب الشيخ الإمام عن مسرح الحياة كفيل بشلّ قدرة ونشاط حماس، وإدخالها مرحلة الإضعاف والإنهاك التام الكفيلة بتدجينها وحسر تأثيراتها، لكن استشهاده أثبت لهم خطأ حساباتهم وعقم مراهناتهم، فقد أحيا الله تعالى باستشهاد الياسين جيلاً كاملاً، وأيقظ كثيرا ًمن القاعدين الغافلين المتخاذلين الذي أمضوا حياتهم سادرين في بحور النكوص أو قائمين على هامش الحياة، فكان استشهاده فتحا للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وإسنادا لمقاومته الباسلة التي أضحت اليوم أشد قوة وبأسا وأكثر جلدا وعنادا في العمل المقاوم وتحدي بطش وإرهاب الاحتلال.
إن الثورات الشعبية العربية التي تتفاعل اليوم هي نتاج لدماء الشهيد الياسين، وأحد الإلهامات المباركة التي عكستها مسيرته الحافلة التي حاربت الظلم والظالمين، وشقت طريق الثورة من رحم الألم والمعاناة، وعبّدت طريق الأمل والحرية للشعب الفلسطيني المقدام.
إننا نستلهم اليوم ثبات وصمود الإمام الياسين في مواجهة الاحتلال، لنقف بكل قوة في وجه صلف وعجرفة وتهديد الصهاينة الذين يطلقون تهديداتهم الرعناء ضد قطاع غزة وحركة حماس، فقد علمنا الشيخ الشهيد أن نواجه حتى نهاية المواجهة، وأن لا ننكسر أو نتخاذل في منتصف الطريق، وأن نمضي إلى الأمام دون أن نلتفت إلى الخلف أو جسامة التضحيات ما دامت فلسطين هي رائدنا وقبلتنا وبوصلة عطائنا على الدوام.
سنبقى على عهدنا مع شعبنا، حماة للحقوق والثوابت الوطنية، وسنظل الأقدر على الدفاع عن شعبنا وقضيتنا ومقدراتنا الوطنية، ولن تلين لنا قناة أو يفتر لنا عزم حتى النصر أو التحرير بإذن الله.
في ذكراك يا شيخنا نؤكد لك أن الملايين من أبناء شعب فلسطين وأبناء الأمتين العربية والإسلامية من ورائك، يقتفون أثرك، وينهجون نهجك، ويسيرون على ذات طريق النور والخير والجهاد الذي سلكته لما فيه صالح الأمة وشعوبها المعطاءة.
رحمك الله يا شيخ الأمة ورجل الانتفاضتين وعملاق الفكر والجهاد والدعوة..وألحقنا بك شهداء على دربك الطاهر الميمون، معاهدين الله ثم إياك على التزام دربك الأصيل..درب ذات الشوكة حتى يأتي الله بالفرج والخلاص، وحتى يتنسم شعبنا عبير التحرر من رجس الاحتلال.