يكثر الجدل حول الرضى بدولة فلسطينية تقام على حدود ما قبل الخامس من حزيران 1967 , أي على أراض الضفة الغربية كاملة ومعها القدس الشرقية وقطاع غزة.
والأمر لا يقف عند حدود الجدل بل هو يصل للدجل في الموضوع , والذي يعنينا هنا هو نقاش الفكرة في صورها المختلفة وتصوراتها المحتملة.
النقاش في هذه القضية يدور على ثلاث محاور أساسية
أولا المحور الشرعي
ثانيا المحور السياسي
ثالثا محور الممكن والمستحيل , أي هل هذه الدولة يمكن أن توجد !!
في المحور الأول وهو المحور الشرعي , فإن قيام دولة وحكومة لأي تجمع مسلم هو فرض فإن الدين والشريعة ومصالح الناس لا تقوم بدون دولة ترعى مصالح الناس وتسهر عليها وتضع لهم الأحكام وتجريها عليهم , فإن كان أبسط أنواع الإمارة هو أن يكون للاثنين أمير في السفر , فإن الشعب بكليته أحوج للأمير والإمارة , وإقامة الأمير أو الزعيم أو سمه ما شئت هو من أولى الواجبات للمجتمع المسلم . ( هذا خلاصة الفهم العام لهذا الأمر ).
لكن الذي بين أيدينا هنا هو أن الأرض محتلة والشعب تحت الاحتلال بل الصحيح أن الشعب كله تحت قيد الأسر , فهل يجوز إقامة دولة على جزء من هذه الأرض سواء أكان هذا الجزء مستعادا ومحررا من العدو أم كان منة وكرم من هذا العدو !!
قبل عام 1967 كانت الضفة الغربية وقطاع غزة غير محتلتين وكل واحدة منها تتبع لدولة عربية , فهل كان يحرم قيام كيان أو دولة فلسطينية يومها على ما بقي من أراضي فلسطين !!
لا أظن أن في الشرع ما يمنع من قيام دولة يومها , لكن الذي منع هو السياسة وهذه السياسة للأسف كانت تعد الأمر ليكون أسهل للمحتلين ليبتلعوا ما بقي من فلسطين .
لنتصور لو أن دولة قامت يومها على أراضي الضفة والقطاع والقدس واعترف بها العالم , وهذه الدولة كانت دولة حقيقية يهمها أن تُعد شعبها ليحرر بقية أرضه , هل كانت الحالة هي ذاتها التي آلت لها أمور الشعب الفلسطيني تالياً حين خسر كل أرضه.
كذلك الحال اليوم فلو أمكن قيام دولة حقيقية على أراض عام 1967 فهذا لا يتصادم مع الشرع شريطة أن لا يكون قيامها عملية مقايضة الجزء بالكل , أي مقايضتها ببقية الأراضي الفلسطينية وبقية الحقوق للشعب الفلسطيني من جهة وأن تكون دولة كاملة السيادة من جهة أخرى وقابلة للحياة وغير محصورة.
هذا الفهم والتصور الأخير هو ذات تصور حماس سواء قبل استشهاد الشيخ أحمد ياسين أم بعده , فالمهم هو جوهر وحقيقية هذه الدولة والثمن المقابل لها.
في المحور السياسي , فإن العدو لا يهمه الاسم لكن يهمه الجوهر وكيفما تم تدوير الأمر فهو لن يعطي دولة حقيقية ولن يسمح بدولة حقيقية , والدليل هو حصاره لغزة هو والمحاصرون العرب , لأن الجميع متفق على أن لا تكون دولة حقيقية , بل دولة مسخ لا تمتلك من أمرها شئ وتعيش على المساعدات , حتى مياه الشرب والكهرباء يجب أن تكون مساعدات .
العدو يعلم يقينا أن زواله مرتبط بقيام دولة فلسطينية حقيقية نظيفة تضع في نهجها تحرير بقية فلسطين , لذلك فإنه من المستبعد جدا السماح بقيام دولة تحكمها حماس حتى لو اعترفت حماس بإسرائيل عشر مرات زيادة عما اعترفت به منظمة التحرير , لأن دولة عقائدية سوف تدور دواليبها ذات يوم لتطالب بحقوقها بناءً على ثوابت العقيدة , حتى لو أن منظمة التحرير ذاتها فلن يسمح لها ( ولم يسمح لها ) بدولة حقيقية مكتملة السيادة خوفا من أجيال قادمة تختلف عن هذه تقوم بالمطالبة بحقوقها.
اليهود يتحدثون عن دولة والعرب يتحدثون عن دولة والفلسطينيون كل يتحدث عن دولة والغرب يتحدث عن دولة , لكن الصحيح أن لا دولة من هذه التي يتُحدث عهنا تشبه الأخرى
, فمن دولة تريد القضاء على دولة الاحتلال كما يراها الفلسطينيون إلى دولة تقضي على حقوق ووجود الشعب الفلسطيني كما يراها الصهاينة , إلى دولة مسخ تريحهم من هم قضية فلسطين كما يراها العرب.
نصل للمحور الثالث وهو إمكانية أن تقوم هذه الدولة , وكما أسلفت فإن كل طرف يريد من هذه الدولة مقبرة لأحلام الطرف الآخر , بالتالي هي حل يجمع أشد المتناقضات وأكثرها تعارضاً واستحالة , لكن الحراك السياسي يفرض على الجميع المناورة بالأسماء بالتالي فإن ما يطلبه كل طرف لن يقبل به الطرف الآخر لأن نهايته موجودة فيه , وأكبر دليل على ذلك هو نهاية فتح ومنظمة التحرير التي ظنت أنها تحصلت على دولة دون أن تتنبه لما وضع عليها من قيود واشتراطات وكذا حال حماس لو قبلت بدولة بمواصفات إسرائيلية فهي ستغرب وتزول أسرع من فتح .